العقيقة: أضحية مباركة تحف المولود بالخير - رحلة عميقة في مفهومها وأحكامها في الإسلامالعقيقة: أضحية مباركة تحف المولود بالخير - رحلة عميقة في مفهومها وأحكامها في الإسلام

يولدُ المسلمُ وفي قلبهِ فرحةٌ لا تُوصفُ بقدوم طفلٍ جديدٍ يملأُ البيتَ بهجةً ودفءً. وفي الإسلام، تُشرعُ شريعةٌ مباركةٌ تُعرفُ بالعقيقةِ؛ أضحيةُ شكرٍ تدعوُ للطفلِ بحياةٍ سليمةٍ مباركةٍ وتحميهِ من البلايا والشرور. في هذا المقال، نسبرُ أغوارَ مفهومِ العقيقةِ وأحكامها، ونبحرُ في تفاصيلِ شروطها وأنواعها وكيفيتها، حتى يُسهمَ في إحياءِ هذه السنةِ النبويةِ وإزالة الغموضِ المُحيطِ بها.

مفهوم العقيقة وسبب تسميتها:

كلمةُ “العقيقةِ” تعنيَ في لغةِ العربِ “الشِعرُ الذي يكونُ عند مفاصلِ ولدِ الفرسِ إذا خُلقَ”، واستُعيرَ المصطلحُ في الإسلامِ ليُشيرَ إلى الذبيحةِ التي تُذبحُ شكرًا للهِ تعالى وطلبًا لبركتهِ على المولودِ الجديدِ. وتتعددُ الرواياتُ حولَ أصلِ تسميةِ العقيقةِ، منها قولٌ بأنها تُسمى كذلكَ لأنَّ الشعرَ يظهرُ على جلدِ المولودِ بعدَ ذبحها، وقولٌ آخرُ بأنها تُسمى نسبةً إلى يومِ الذبحِ السابعِ الذي يُسمى بـ”العِقيق”.

أما الغرضُ الأساسيُ منَ العقيقةِ فهوَ شكرُ اللهِ تعالى على نعمتهِ بمنِّةِ الولدِ، وطلبُ التيسيرِ وحسنِ البِدايةِ لهُ في الحياةِ الدُنيا، والتبرُّكِ برحمتهِ ومُكافأتهِ عز وجل. وقد وردَ في الحديث: “كلُ غلامٍ مُرتهنٌ بعقيقتهِ تُذبحُ عنهُ يومَ السابعِ ويُحلقُ رأسهُ ويُتَسمَى”.

شروط وجوب العقيقة:

اختَلَفَ العلماءُ في حكمِ العقيقةِ هل هي واجبةٌ أم مستحبةٌ، وذهبَ جمهورُ المَذاهبِ الفقهيةِ إلى أنها سنةٌ مؤكدةٌ عن النبيِّ – صلى اللهُ عليهِ وسلمَ – مستحبّةٌ لِكُلٍّ من الذكرِ والأنثى. وهناكَ تفصيلاتٌ في شروطِ وجوبها:

  • المولودُ البشريُ المسلم: لا تجبُ العقيقةُ على ولدِ الكافرِ ولا البهائمِ.
  • المولودُ الحيُّ: لا تجبُ على المولودِ الذي توفِيَ بعدَ ولادتهِ مباشرةً.
  • قدرةُ المُكَلَّف: لا تجبُ العقيقةُ على الفقيرِ الذي لا يملكُ ما يكفي لشرائها، لكن يُستحبُّ لهُ أن يُضحّيَ شاةً صغيرةً أو يُوزعَ صدقةً قدرَ إستطاعتهِ.

وقت ذبح العقيقة:

الوقتُ المُستحبُّ لذبحِ العقيقةِ هوَ يومُ السابعِ بعدَ ولادةِ المولود، اقتداءً بسنةِ النبيِّ – صلى اللهُ عليهِ وسلمَ -، كما وردَ في الحديث: “فإني فعلتُ بكَ مثلَ ما فعلَ إبراهيمُ بإسماعيلَ، ختنُكَ في السابعِ، وسَمَّيتُكَ في السابعِ، وحلقتُكَ في السابعِ، وعقرتُ عنكَ في السابعِ”.

ولكن جازَ تأخيرُ ذبحِ العقيقةِ عنِ اليومِ السابعِ لأسبابٍ مُبررةٍ مثلِ عدمِ تمكنِ الأبِ من شرائها في ذلك الوقتِ، أو لِوجودِ عُذرٍ صحيٍّ يمنعُ الذبحَ أو توزيعَ اللحمِ.

أحكام العقيقة: تفاصيل، شروط، وتطبيقات

بينما أشرنا سريعا لبعض الشروط الأساسية للعقيقة، فلنتعمق الآن في تفاصيل هذه الأحكام ونتناول حالات وتطبيقات متنوعة قد تُثير تساؤلات في أذهان الكثير من المسلمين.

حالات خاصة للعقيقة:

  • العقيقة للأنثى: رغم اختلاف آراء بعض المذاهب حول وجوب العقيقة للبنات، إلا أن المذهب الحنفي يذهب إلى استحبابها للذكور والإناث على حد سواء.
  • العقيقة بعد البلوغ: يجوز تأخير العقيقة حتى سن البلوغ إذا تعذر إقامتها عند الولادة لأسباب مالية أو غيرها. كما ورد في كتاب المغني لابن قدامة: “من لم يعق عنه لفقر أو غيره ثم قدر فليعق، ولا يخرج بذلك عن كونه سنة”.
  • العقيقة للكبير: لا تجب العقيقة على من لم تذبح له عند ولادته، لكن يجوز له أن يضحي شاة لنفسه تبركا واقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم.
  • عقيقة الأحفاد: يجوز للجد أو الجدة أو أي قريب أن يضحي عن حفيده عقيقة، ولكن لا يسقط ذلك وجوب العقيقة عن الأب إذا كان قادرا عليها.

أحكام تتعلق بنوع الذبيحة:

  • شروط الذبيحة: يجب أن تكون الذبيحة سليمة خالية من العيوب الشرعية كالعرج والمرض والتلف، وأن تبلغ السن المطلوبة، وهي جذع من الضأن (أي التي أتمت 6 أشهر ولم تكمل سنة) أو ثني من المعز (التي أتمت سنة ولم تكمل سنتين).
  • عدد الذبائح: للذكر تذبح شاتان، وللأنثى شاة واحدة. وهناك اختلاف بين المذاهب في جواز إبدال الشاة ببقرة أو إبلا، بحيث تكون البقرة مساوية لسبع شياه والإبل سبع بقرات.
  • ذبح غير الشاة: يجوز في حالات الضرورة ذبح غير الشاة من الأنعام كالماعز والإبل والبقر بشرط استيفاء شروط السن والسلامة، مع مراعاة اختلاف قيمة الأنعام والتعويض المناسب عن الشاة الواحدة.

توزيع لحوم العقيقة:

  • تقسيم اللحم: يستحب تقسيم لحوم العقيقة إلى ثلاثة أجزاء متساوية: للبيت والأقارب والفقراء والمساكين. ويمكن لأهل البيت الاحتفاظ بجزء أكبر قليلا تقديرا لظروفهم الخاصة.
  • كمية اللحم: لم يرد نص شرعي محدد لكمية اللحم لكل حصة، لكن يُستحب إعطاء الفقراء والمساكين كمية تكفيهم لوجبة طعام، ويمكن تقدير ذلك بحوالي نصف كيلو لكل فرد.
  • طريقتا التوزيع: يجوز توزيع لحوم العقيقة نيئة أو مطبوخة. ويُستحب الطبخ إذا كان ذلك أيسر للفقراء أو يتناسب مع عادات البلد والعصر.
  • حكم بيع لحوم العقيقة: لا يجوز بيع لحوم العقيقة، فهي قربة لله تعالى تُوزع ابتغاء وجهه الكريم وليس للكسب التجاري.

أسئلة شائعة وأحكام متنوعة:

  • حكم الاحتفال بالعقيقة: لا بأس بإقامة وليمة بعد ذبح العقيقة ودعوة الأقارب والأهل لتناول الطعام، بشرط الابتعاد عن البدع والمنكرات.
  • العقيقة النقدية: يجوز في حالات الضرورة استبدال ذبح الشاة بدفع مال يعادل قيمتها وتوزيعه على الفقراء، وذلك إذا كان أيسر على المكلف أو أنفع للفقراء.
  • العقيقة المشتركة: يجوز لأكثر من شخص الاشتراك في ذبح شاة واحدة عن مولود جديد، ويوزعون لحومها بمقدار مساهمتهم.
  • العقيقة للتبني: لا تجب العقيقة على المتبني، لكن يجوز له ذبح شاة على الولد المتبنى تبركا واقتداء بسنة النبي صلى الله عليه وسلم.
  • العقيقة في زمن المجاعة: إذا حلّت مجاعة أو كَرب شديد بحيث يعجز الناس عن شراء الأضاحي، فلا حرج في تأخير العقيقة حتى تيسر الأحوال.

من admin