أحكام العقيقة للمولود: ماذا يجب أن يعرف كل أب وأم؟أحكام العقيقة للمولود: ماذا يجب أن يعرف كل أب وأم؟

تشرق الحياة بقدوم مولود جديد، تغمر القلوب بالفرح وتفتح أبواب البركة والمسؤولية. وكمسلمين، نحرص على استقبال هذه النعم بأعمال صالحة تتوافق مع سنة نبينا الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم. ومن أبرز هذه الأعمال التي تُرَحِّب بالمولود وتشفيعه بالخير والبركات هي العقيقة.

لكن مع تعدد المذاهب الفقهية، قد يراود الآباء والأمهات الجدد تساؤلات حول العقيقة في المذاهب الأربعة: ما حكمها؟ كيف نؤديها وفق كل مذهب؟ وما الفروقات بينها؟ لا داعي للقلق، فهذا المقال الشامل بمثابة دليل مفصل يُلبي شغفكم المعرفي ويجيب على كل استفساراتكم حول العقيقة في المذاهب الأربعة.

لمحة تاريخية عن العقيقة وأهميتها

العقيقة سنةٌ مؤكدة عن النبي صلى الله عليه وسلم، فقد قال: “كُلُّ غُلامٍ مُرْهُونٌ بِعَقِيقَتِهِ يُذْبَحُ عَنْهُ يَوْمَ سَابِعِهِ وَ يُحْلَقُ وَ يُسَمَّى” (صحيح البخاري). يعود أصل العقيقة إلى العرب في الجاهلية، حيث كانوا يذبحون عن المولود ذبيحةً يتقربون بها إلى آلهتهم. وقد حرّم الإسلام هذه العادة الجاهلية، وأقرّ العقيقة كمظهر من مظاهر الشكر لله على نعمة المولود، ووقاية له من الشيطان، والتيسير عليه في يوم القيامة.

حكم العقيقة عند المذاهب الأربعة


اختلف الفقهاء في المذاهب الأربعة حول حكم العقيقة، على النحو التالي:

  • المذهب الحنفي: يرى جمهور الحنفية استحباب العقيقة وليس وجوبها، استناداً إلى عدم وجود أدلة قطعية تدل على الوجوب، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعاقب من تركها. ومن أشهر أقوال الحنفية في ذلك قول الإمام النووي في “المجموع شرح المهذب”: “العقيقة مستحبة عندنا، وليست بواجبَةٍ”.
  • المذهب المالكي: يرى المالكية أن العقيقة سنة مؤكدة واجبة، مستدلين بعموم أدلة الأمر بالذبح والصدقة عن المولود، وبفعل الصحابة والتابعين. ويستند المالكية على قول ابن عبد البر في “الكافي”: “العقيقة سنة مرغوب فيها، ومعناها: الذبح عن المولود يوم سابعه”.
  • المذهب الشافعي: يرى الشافعية أن العقيقة سنة مؤكدة، ويستحب ذبح شاتين عن الذكر وشاة واحدة عن الأنثى، واستدلوا على ذلك بأحاديث وأقوال الصحابة. ومن أقوال الشافعية المشهورة قول الإمام النووي في “المجموع”: “العقيقة سنة، وهو ما يُذبَح عن المولود”.
  • المذهب الحنبلي: يرى الحنابلة أن العقيقة سنة مؤكدة، ويستحب ذبح شاتين عن الذكر وشاة عن الأنثى، كما يرون جواز ذبح عجل من الإبل أو البقر. ويستند الحنابلة على قول الإمام ابن قدامة في “المغني”: “وَالْعَقِيقَةُ سُنَّةٌ، عَنْ الْغُلَامِ شَاتَانِ، وَعَنْ الْجَارِيَةِ شَاةٌ”.

أنواع الذبائح المقبولة في العقيقة

اتفق المذاهب الأربعة على أن الذبيحة المقبولة في العقيقة هي من الأنعام، وهي:

  • الإبل: تُجزئ شاةٌ من الضأن أو المعز في العقيقة عند الحنفية والشافعية، بينما يجوز عند المالكية والحنابلة ذبح عجلٍ من الإبل بشرط أن يبلغ خمس سنوات كاملة.
  • البقر: يجوز ذبح عجلٍ من البقر عند الحنفية والشافعية والحنابلة بشرط أن يبلغ سنتين كاملتين، بينما لا يرى المالكية جواز ذلك إلا للضرورة.
  • الغنم: تُجزئ شاةٌ من الضأن أو المعز في العقيقة عند جميع المذاهب، على أن تتوفر فيها الشروط الشرعية للذبح (سلامة من العيوب، بلوغ السن المناسبة).

أهمية إحياء سنة العقيقة في المجتمع المسلم:

تُعد العقيقة سنة نبوية كريمة تحمل في طياتها العديد من الفوائد الدينية والاجتماعية التي تُعزز القيم والمبادئ الإسلامية في المجتمع. ونذكر من أهمية إحياء سنة العقيقة ما يلي:

  • التقرب إلى الله تعالى: تُعد العقيقة شكراً لله على نعمة المولود، وطلباً لرضاه وفضله.
  • حماية المولود من الشيطان: وردت أحاديث نبوية تدل على أن العقيقة تُفادي عن المولود شر الشيطان.
  • التيسير على المولود في يوم القيامة: ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن العقيقة تُشفع للمولود يوم القيامة.
  • التصدق على الفقراء والمساكين: يُوزّع ثلث لحم العقيقة على الفقراء والمساكين، مما يُساهم في إدخال السرور عليهم ومساعدة المحتاجين.
  • تعزيز الترابط الاجتماعي: تُعد العقيقة مناسبة اجتماعية تُجمع العائلة والأصدقاء، وتُعزز أواصر التعاون والمشاركة.

الفوائد الدينية والاجتماعية المترتبة على العقيقة:

  • الفوائد الدينية:
    • التقرب إلى الله تعالى.
    • طلب رضا الله وفضله.
    • حماية المولود من الشيطان.
    • التيسير على المولود في يوم القيامة.
  • الفوائد الاجتماعية:
    • التصدق على الفقراء والمساكين.
    • تعزيز الترابط الاجتماعي.
    • نشر القيم والمبادئ الإسلامية في المجتمع.

دعوة للآباء والأمهات الجدد لإتمام هذه السنة المباركة:

نُبارك لكل أب وأم قدوم مولودهم الجديد، ونُشجعهم على إحياء سنة العقيقة اقتداءً بسنة النبي صلى الله عليه وسلم، وطلباً لفضله ورحمته. ونُذكّرهم بأن العقيقة ليست عبئاً أو تكلفة، بل هي سنة نبوية كريمة تُجلب الخير والبركة للمولود ولأهله.

نصائح عامة لإتمام العقيقة:

  • استشارة أهل العلم: يُنصح باستشارة أهل العلم والفتوى في المنطقة لمعرفة التفاصيل الدقيقة للعقيقة وفق المذهب المتبع.
  • اختيار الذبيحة المناسبة: يجب اختيار ذبيحة سليمة وخالية من العيوب، وتُلبي الشروط الشرعية.
  • تحديد الوقت المناسب: يُستحب ذبح العقيقة في اليوم السابع من ولادة المولود، لكن يجوز تأخيرها إلى ما بعد ذلك.
  • توزيع لحم العقيقة: يجب توزيع لحم العقيقة على ثلاثة أقسام: ثلث للفقراء والمساكين، وثلث للأقارب والأصدقاء، وثلث للطبخ والاستهلاك.

ختاماً:

العقيقة سنة نبوية كريمة تُجلب الخير والبركة للمولود ولأهله. ونُشجع جميع الآباء والأمهات الجدد على إتمام هذه السنة المباركة، وإحياء هذه الشعيرة الإسلامية العظيمة، طلباً لرضا الله وفضله.

من admin